الأحد، 20 مايو 2012

أبوالفتوح = البرادعي



كنت من أشد المعجبين بعقلية البرادعي وجرأته في الحق منذ أتى إلى أرض المحروسة، وعندما كان موجودًا في سباق الترشح للرئاسة، كنت أراه الأصلح كرئيس يقود مصر نحو دولة العدل، وكان انسحابه بالنسبة لي ولمؤيديه صدمة كان علينا تجاوزها والقبول بالأمر الواقع، ومن ثم كان لزامًا علينا اختيار مرشحًا ثوريًا آخر على قدر المسئولية، وكان جليًا أن أقوى المرشحين الثوريين في الشارع هما الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح والأستاذ حمدين صباحي، حينها إستحضرت صورة البرادعي في ذهني، هذا الرجل المتزن الهادئ الواقعي الذي يتحدث بمنطق يحترم عقولنا، بعيدًا عن الشعارات البراقة، ناهيك عن خبرته الإدارية وعمله على رأس منظمات دولية أثقلت خبرته الإدارية، فكان لإستحضار صورة الدكتور البرادعي في ذهني أثرًا بالغًا في مفاضلتي بين حمدين وأبوالفتوح، وقررت لا إراديًا أن أبوالفتوح هو الأقرب للبرادعي وأستطيع أن ألخص أسباب اختياري لأبوالفتوح في الآتي:
* خبرة الدكتور أبوالفتوح الإدارية الكبيرة، وذلك من خلال عمله على رأس إتحاد أطباء العرب وإدارته الناجحة لمنظمة الإغاثة التابعة لإتحاد أطباء العرب.

*الدكتور أبوالفتوح بوسطيته وعقليته المتفتحة سيكون حلقة وصل بين جميع التيارات بعد  حالة الإستقطاب التي طغت على المرحلة الانتقالية، فليس لمجتمع مفكك، يطعن كل طرف فيه في وطنية الطرف الآخر أن يحقق تقدم ورقي، وفي رأيي أن الدكتور أبوالفتوح هو المرشح الوحيد القادر على إنهاء حالة الإستقطاب الموجودة وتوحيد الصف لبناء مصر القوية، وأعتقد أن هذا التوحد يظهر في حملته الانتخابية وفي تعدد إتجاهات داعميه.

*أهم ما يميز برنامج الدكتور أبوالفتوح، انه قائم على فريق عمل يضم خبراء من جميع التيارات مما يضمن لنا أنه ليس برنامج إنشائي كغيره من البرامج الأخرى.

* غياب لغة الأنا في خطاب أبوالفتوح الذي يتميز بالمرونة والوقوف على مسافات متساوية من جميع التيارات ودون أن يستعدي تيار لحساب تيار آخر، ومع ذلك فهو واضح في ما يقدمه من رؤية وفكر.

*مواقف أبوالفتوح من الحريات العامة مطمئنة إلى حد كبير، فزيارته للعبقري الراحل نجيب محفوظ عام 2005 للإحتفال معه بعيد ميلاده بعد محاولة قتله على يد متطرفين إسلاميين، كانت تحديًا واضحًا للإرهاب الفكري من رجل محسوب على التيار الإسلامي، مع العلم أنه الوحيد من قيادات التيار الإسلامي الذي قام بمثل تلك الزيارة.

الخلاصة أنني أرى أن الدكتور أبوالفتوح هو الأقرب للدكتور البرادعي، من حيث الخبرة الإدارية، والمصداقية، والرؤية التي يتميز بها عن كثير من المرشحين الموجودين.. وفي حقيقة الأمر أني سأصوت للدكتور أبوالفتوح وأنا مرتاح الضمير تمامًا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
عبدالحليم حفينة
20/5/2012

الخميس، 10 مايو 2012

مدينة قلين بين سحر الحاضر وعبق التاريخ



لا أخفي عليك سرًا يا صديقي، فنفسي تتوق إلى الهدوء والسكينة، والانشغال بوداعة نسمة الريف عن ضجيج المدن وصخبها، وليس هناك نسمة ريف أحب إلى قلبي من تلك النسمة التي أستنشق عبيرها في مدينتي الصغيرة فتعود الحياة إلى كياني من جديد وكأن روحي تسري في جسدي لتوها منذ خُلقت، ربما يأسرك الفضول وتود لو أُخبرك باسم تلك المدينة التي سحرتني وأحيتني نِسمتُها، لن أطيل أسرك كثيرًا، سأصرح لك بها وسأخبرك عنها خبرًا.. أما عن التصريح فمدينتي تلك هي " قلين " القابعة في كنف الطبيعة الساحرة بريف مصر الخالد، فتقع في عمق الدلتا تمامًا بمحافظة كفر الشيخ، أعلم أن الفضول عاد ليأسرك من جديد لتقف أمام اسم " قلين " مشدوهًا، وتتساءل لماذا يا ترى حملت هذا الاسم؟! وما معناه؟! وهل هو تاريخي أم مستحدث كغيره من الأسماء؟! الإجابة على تلك الأسئلة في الخبر الذي وعدتك بإخبارك به أنفًا علّك تتحرر من فضولك يا صديقي للأبد.

ربما تكون قد قرأت أو سمعت عن "دقليديانوس" هذا الإمبراطور الروماني الذي اعتلى عرش الإمبراطورية الرومانية عام 284 م، وقد أبدى هذا الإمبراطور الوثني تعاطفًا ملحوظًاً مع المسيحيين في بداية عهده، ولكن ما لبس أن عين ميكسيميان عام 286 م إمبراطورًا على الشرق، ومنذ هذا التاريخ البائس ذاق المسيحيين ألوان العذاب وأشد أنواع الاضطهاد، حتى أنه سُمي بعصر الشهداء.

وفي تلك الأثناء أصدر دقليديانوس منشورًا بتقديم الذبائح للأوثان، وقد عارضت كتائب كثيرة من الجيش هذا المنشور وكان منها الكتيبة الطيبوية التي كان أبنائها من مدينة الأقصر، وقد رفضت هذه الكتيبة تقديم الذبائح للأوثان ورفضت أيضًا القسم على القضاء على المسيحية في بلاد الغال (فرنسا حاليًا)، وكان جزاء تلك الكتيبة الموت بالكامل.

وكان من بين الذين رفضوا الإذعان لهذا المنشور القديس "أبسخيرون القليني" الذي ولد بمدينة قلين، وكان ضمن جنود الفرقة التي كان بأتريب (بنها)، وكان جنديًا قويًا وشجاعًا، وعندما علم الوالي بعصيان القديس أبسخيرون لأوامر ومنشور الإمبراطور أمر بسجنه ونفيه إلى الصعيد لتعذيبه كما كان متبع حينها، وهناك عُذب إلى أن أمر الوالي بقتله بعد أن أظهر معجزات كثيرة وفقًا لبعض الروايات.

وكان أهل قلين في ذلك الوقت قد أقاموا كنيسة وأطلقوا عليها اسم " كنيسة القديس أبسخيرون القليني" وكانوا يتشفعوا فيها بالقديس أبسخيرون القليني بن بلدتهم، وقد قيل أن أهل قلين كانوا يعينوا ليلة محددة لعقد الزيجات وذلك لصعوبة المواصلات حينها، وتوافق تلك الليلة مع موسم الحصاد، وفي إحدى هذه الحفلات قد تجمع نحو مائة شخص في الكنيسة، وفي أثناء الليل إجتمع مجموعة من مضطهدي المسيحية  لقتل من بداخل الكنيسة، ولكن سرعان ما نُقلت الكنيسة بمن فيها إلى البيهو في صعيد مصر، قبل أن ينفذ المضطهدون ما تآمروا عليه، وعندما خرج الناس في الصباح وجدوا أنفسهم في بلدة غير بلدتهم، حينها ظهر القديس دون أن يعرفوه، واصطحبهم حتى شاطئ النيل، وما إن ركبوا السفينة حتى وصلوا في يوم عوضًا عن ثلاثة أيام، وعند وصولهم قلين لم يجدوا الكنيسة ووجدوا مكانها بركة ماء، أُطلق عليها فيما بعد بحيرة الفليني.

قد تبدو الحكاية أسطورية، ولكن الثابت تاريخيًا أن مدينة قلين سُميت نسبة للقديس أبسخيرون القليني، وكما أن قلين الآن ساحرة بنقائها وصفائها، وبعبير نسماتها، فهي أيضًا خالدة في التاريخ، وراسخة في وجدان البشرية.. تلك هي مدينتي.

ــــــــــ

عبد الحليم حفينة

10/5/2012