الثلاثاء، 12 يونيو 2012

الحشاشون.. فرقة ثورية في تاريخ الإسلام

 
مُنذ فجر التاريخ تزدهر الحضارات وتضمحل الأخرى منها، وكضرورة إنسانية مُلحة بدأت تلك الحضارات الإحتكاك ببعضها البعض سياسياً وإقتصادياً وثقافياً، ومن هنا بدأت تظهر في أفق التاريخ تحالفات حضارية ساعدت على تقدم البشرية وثرائها الحضاري، وفي أفاق آخرى تظهر الصراعات الحضارية التي أنهكت البشرية وأورثتها نزاعات مريرة، ومن هنا يأتي استعراضنا لظاهرة المستشرقين التي أحدثت التقارب الحضاري في أحيان، وساعدت على تأجيج نير الصراع الحضاري في الحين الآخر، وصاحب كتابنا هو المستشرق البريطاني الأصل الأمريكي الجنسية اليهودي الديانة برنارد لويس، وقبل أن نُكمل تعريفنا بالمؤلف، دعونا نعرف معنى كلمة مستشرق؛ فقد تم تعريف كلمة مستشرق على أنه العالم المُلم بمعارف الشرق وحضاراته ولغاته وآدابه، وكان أول ظهور لكلمة مستشرق في اللغة الإنجليزية عام 1779، ويذكر أن الفرنسي د. جيرار دي أورلياك هو أول من إستشرق، وبالعودة إلى كاتبنا المستشرق برنارد لويس نجد أنه ولد لأسرة يهودية من الطبقة المتوسطة وشغُف منذ صغره بدراسة اللغات، وكان أول ما درس اللغة العبرية، ثم اللغة العربية والاتينية والتركية واليونانية وغيرها من اللغات الشرقية، وقد تخصص برنارد لويس في التاريخ الإسلامي، وإشتهر بأرائه السلبية من الاسلام والعرب، وقد عُين مستشاراً لوزير الدفاع ديك تشيني في عهد جورج بوش الابن، ويتضح لنا أن المستشرق برنارد لويس تعمد تسليط الضوء على الفرق الضالة في الإسلام لإظهار بعض السلبيات في التاريخ الإسلامي، وهذا لا يعفينا مطلقاً من قراءة الكتاب الذي يتضمن معلومات قيمة عن فرقة ضالة وجدت في التاريخ الإسلامي تُسمى بالحشاشين، وسوف أقوم بإستعراض الكتاب بصورة مبسطة تجمع المعلومات التاريخية المهمة في الكتاب علّ القارئ يستفيد بها، دون أن ينفق وقتًا طويلًا في قراءة الكتاب، وسأبدأ بإستعراض الكاتب لما ُعرف في الكتابات والموروثات التاريخية الغربية عن تاريخ الحشاشين وأصلهم.


إكتشاف الحشاشين
إستعرض الكاتب في بداية معرفة الغرب للحشاشين, وكانت تلك البداية عن طريق الحملات الصليبية التي غزت الشرق, وخاصة بلاد الشام التي كانت مركزاً مهما للحشاشين، ويذكر أنه عندما استعد فيليب السادس ملك فرنسا لغزو الشرق، أرسل له قس ألماني يدعى بروكاردوس، يحذره فيها من مخاطر الشرق وعلى رأسها الحشاشين، حيث قال "أذكر الحشاشين الذي ينبغي أن يلعنهم الإنسان ويتفاداهم، إنهم يبيعون أنفسهم، ويتعطشون للدماء البشرية ويقتلون الأبرياء مقبل أجر، ولا يلقون إعتبارًا للحياة أو النجاة"
ثم يتابع الكاتب معرفة الغرب بالحشاشين، ويذكر أن كلمة حشاش دخلت في الإستخدام الأوربي بأشكال مختلفة، وتعني القاتل المأجور"assassin" ويذكر الكاتب أيضًا رواية جائت على لسان أحد مبعوثين الأمبراطور فريدريك بربروسة إلى سوريا، حيث جاء في روايته تلك أن هناك عند تخوم دمشق وأنطاكية وحلب يوجد جنس معين من العرب يعيشون في الجبال يسموا بالحشاشين، ولهم سيد يلقي الرعب في قلوب الأمراء العرب القريبين منه والبعيدين عنه على السواء، حيث كان له أتباع يطيعونه طاعة عمياء، حتى إذا أمرهم أن يُلقوا بأنفسهم من فوق الجبل فعلوا، وكان يأمرهم بقتل من يشاء من الأمراء والملوك، وكان يطلق على هذا السيد أيضًا لقب "شيخ الجبل"، ويقول تأثرًا بهم أحد شعراء التروبادور (هم شعراء رحالة عُرفوا في القرن الحادي عشر، وكانوا ينتقلون من قصر إلى قصر جنوب فرنسا ليلقوا الشعر) لحبيبته " أنت تسيطرين عليّ بسحرك أكثر مما يسيطر الشيخ على حشاشيه الذين يذهبون لقتل أعدائه الفانين".
ويتابع الكاتب وصف "أسطورة الفردوس" التي ذكرها الرحالة ماركو بولو، الذ مر عبر إيران عام 1273، ووصف قلعة "ألموت"، التي كان سيدها شيخ الجبل الذي أغلق وادي بين جبلين، وحوله إلى حديقة فيحاء، وملأها بأنواع الفاكهة، وأقام فيها قصورًا ومقصورات، وجعل فيها أنهارًا تفيض بالخمر والعسل واللبن والماء، وكان يفتن أتباعه بهذه الحديقة ويوهمهم بأنها جنة الفردوس، ومن سيُقتل في سبيل تحقيق أهدافه سيرسل إليه ملائكته ليعيده إلى هذه الجنة!!

دراسات مبكرة


في هذا الجزء يقدم الكاتب بعض الدراسات الغربية التي إهتمت بدراسة الحشاشين، وكان صاحب أول دراسة عنهم هو دنيس بيتي دي باتيلي عام 1603، وكانت محاولة دراسة ضعيفة، وجائت الدراسة الثانية لكشف لغز الحشاشين على يد بارتولمي دي هيربلوت، وهذه الدراسة هي عمله الرائع المسمى بالمكتبة الشرقية، ومن أهم الدرسات التي تناولت تاريخ الحشاشين، هي "تاريخ الحشاشين" التي قام عليها الكاتب النمسوي جوزيف فون هومر، وكان ينظر في دراسته للحشاشين على إنهم "اتحادًا من الدجالين والمغفلين استطاعوا تحت قناع التشدد الديني والأخلاقي الإساءة إلى كل الأديان والخلقيات، وأن هذه الجماعة من السافكين الذين سقط تحت نصال خناجرهم أسياد الدول ظلوا أقوياء لأنهم ولمدة ثلاثة قرون استطاعوا أن يبثوا الرعب في قلوب الجميع إلى أن سقط وكر الوحوش في يد الخلافة التي كانت منذ البداية هدفًا للتدمير بأيديهم كرمز للسلطة الروحية والزمنية للمسلمين.

أتباع أغاخان

يروي الكاتب في هذا الجزء زيارة القنصل الفرنسي روسو في عام 1811 برحلة من حلب إلى إيران بحثًا عن وجود الإسماعليين، ودُهش حين علم حينها أن هناك أناس في إيران لهم ولاء لإمام من نسل إسماعيل، وإسمه شاه خليل ويقيم في قرية "كيك" بالقرب من مدينة "قم"، ويوجد أيضًا أتباع لهذه الطائفة في الهند يسموا بطائفة الخوجا، وقد قُتل هذا الإمام وتولى ابنه أغاخان الإمامه خلفًا له، وقد قام أغاخان بثورة فاشلة على شاه إيران، خرج على إثرها إلى الهند، وإستقر بها، وقام بعض أعضاء طائفته في مومباي بالخروج عليه ورفض تقديم الطاعة له، إلا أن محكمة مومباي حكمت بعد بحث طويل وثري في تاريخ الحشاشين بأن طائفة الخوجا جزء لا يتجزأ عن الطائفة في سائر أنحاء الهند، ووجب عليهم تقديم الطاعة إلى أغاخان.

تاريخ الحشاشين بالتفصيل

بعد أن إستعرض الكاتب بداية معرفة الحشاشين في المصادر الغربية ينتقل إلى شرح تاريخ الحشاشين شرحًا دقيقًا ومفصلاً، فيبدأ بنشأة الشيعة، وذلك بعد رفض طائفة من المسلمين ولاية معاوية ومطالبتهم ألا تخرج الخلافة من بيت الرسول صلى الله عليه وسلم، وأسهب في شرح بعض النزاعات التي حدثت أثناء الفتنة، إلى أن وصل الكاتب إلى انقسام الشيعة إلى طائفتين هما الإسماعلية  والإثنى عشر، وقد حدث هذا الإنقسام عندما حرم الإمام السادس جعفر الصادق ابنه الأكبر إسماعيل من خلافة أبيه، وإعترف عدد كبير من الشيعة بأخيه الأصغر موسى الكاظم بإعتباره الإمام  السابع، وتتابع الأئمة فيما بعد إلى أن إختفى الأمام الثاني عشر، وهو الإمام المنتظر حتى الآن عند الشيعة الإثنى عشرية، وهم يمثلون أغلبية الشيعة.

وقد تبعت جماعة من الشيعة "إسماعيل" وإعترفت به كإمام، وأطُلق عليهم الإسماعيليين (الحشاشين)، وقد بدأ الإسماعليون نشاطهم في الخفاء، ويعتبر الإمام هو مركز النظام الإسماعيلي فهو معصوم وموحى إليه، وهو مطلع على الحقائق المخفية وأوامره تقتضي الطاعة التامة دون نقاش، وكان مسئول عن نشاط الفرقة ونشر دعوتها هيئة دعاة يرأسها الداعي الأكبر الذي هو المساعد المباشر للإمام.
وقد نشط النشاط الإسماعيلي في جنوب العراق واليمن وشوطئ الخليج العربي، إلا أنه لم يثمر هذا النشاط  إلا هناك في أقاصي العالم الإسلامي في شمال إفريقيا، وقد وصلوا هناك إلى درجة من القوة دعت الإمام المستور إلى الظهور، وأعلن نفسه خليفة في شمال إفريقيا، ولقب نفسه بالمهدي، وهكذا نشأت الدولة الفاطمية بدعوى أنها من نسل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم.

بعد 60 عام من إقامة الخلافة الفاطمية في شمال إفريقيا، دخل الفاطميون مصر، وأقاموا المسجد الأزهر ليكون منارة لنشر المذهب الشيعي الإسماعيلي، وانتقل الخليفة المعز لدين الله الفاطمي إلى القاهرة حتى أنه نقل رفات أبائه وأجداده معه، وبعد عقود من ازدهار الدولة الفاطمية بدأت الدولة تنهار، خصوصًا بعدما أصبحت السلطة الفعلية في يد أمير الجيوش بداية من الأفضل بدر الدين الجمالي الذي زوج ابنته لابن الخليفة المستنصر الأصغر المستعلي، وبمجرد وفاة الخليفة الثامن الذي كان خليفته ووريثه الشرعي ابنه نزار، قام الأفضل بإعلان المستعلي زوج ابنته الخليفة، وعلى غرار ذلك فر نزار إلى الأسكندرية، وهبت ثورة محلية سرعان ما أُخمدت، وقُتل نزار و،أعلن الشيعة الشرقيون رفضهم الاعتراف بالخليفة الجديد، وأعلنوا ولائهم لنزار وخطه، وبدأت الدولة الفاطمية القائمة على نظام الخلافة بالتمزق والإنهيار، خصوصًا بعد إنقسام المذهب الإسماعيلي، وإنقسام الولاء بين إمامين هما المستعلي ونزار، وكان ذلك من أسباب نهاية الدول الفاطمية وإعلان الدولة الأيوبية، وإنتهت بذلك دولة الشيعة الإسماعيلية، وبدأت بعد ذلك الدعوة الجديدة التي قادها الثوري حسن الصباح.

حسن الصباح والدعوة الجديدة

بعد انهيار الدولة الفاطمية، احتاج المذهب الإسماعيلي لمن يجدد الدعوة له، وينشر الفكر الإسماعيلي، وقد قام حسن الصباح الذي ولد بمدينة "قم" بإيران بهذا الدور على أكمل وجه، وظل يجوب البلاد للدعوة للمذهب الإسماعيلي الذي لم يكن مقتنع به بادئ الأمر، حيث أنه ولد على المذهب الإثنى عشري، إلى أن التقى بأحد الرفاق (وهو تعبير يطلقه الإسماعيليون على أنفسهم)، ودعاه هذا الرفيق إلى المذهب الإسماعيلي، ثم أبحر هو في العلوم إلى أن ذهب إلى مصر وتعلم على يد دعاة كبار إبان حكم الدولة الفاطمية، وأصبح من كبار الدعاة، وقد ركز حسن الصباح دعوته في إقليم الديلم أقاصى شمال فارس، وقد وجد إستجابة كبيرة هناك، حيث إستقر في قلعة "ألموت" التي كانت في مكان حصين، ويُقال أنه لم يخرج منها حتى مماته، وكانت تستخدم هذه القلعة في عمليات الإغتيال السياسي، حيث كانت هناك قائمة شرف يوضع فيها كل من ينفذ أمر بالإغتيال، وكان معظمهم يلقى حتفه، وبعد أحداث عنف كثيرة، حدثت غارات عسكرية على ألموت وبعض القلاع التابعة للإسماعيليين، ولكن تم صدها جميعًا، وظل حسن الصباح يرسل دعاته في بلاد فارس ويستولي على القلاع والبلاد، وقد أرسل دعاته إلى سوريا حيث كان هناك أناس يدينون بالمذهب الإسماعيلي، فكانت المهمة ميسورة على دعاته، وقد كانت سوريا مغنم للإسماعليين حيث كانت طبيعتها الجبلية تناسب العمل السري للإسماعيليين (الحشاشين) من عمليات إغتيال وتخفي في الصحاري والجبال، بعكس العراق صاحبة الوديان النهرية التي لا تناسب العمل السري، وقد عمل الدعاة في سوريا بنفس إسلوب فارس، فإستولوا على القلاع، وكانت تلك القلاع مصدر رعب لكل الحكام الإمارات والممالك المجاورة، لما إشتهروا به بعمليات الاغتيال السياسي،  وكان يسمى سيدهم في سوريا باسم شيخ الجبل، أو "بير" بالفارسية التي تعني شيخ، والجدير بالذكر أن حسن الصباح ودعوته الجديدة كانت ولائها للإمام نزار، الذي سلب حقه أمير الجيوش الأفضل لصالح زوج ابنته المستعلي.

نهاية الحشاشين

بهجوم المغول على الشرق الإسلامي وصد السلطان بيبرس لهم، كانت نهاية قوة الحشاشين، فقد قطع بيبرس من أراضي الحشاشين إلى أحد كبار قواده، وبعد ذلك إستسلم الحشاشين تمامًا له في سوريا وأصبح هو من يعين قوادهم بدلًا من سيد ألموت، وبعد إستسلامهم هذا أصبحت خدماتهم الماهرة تحت تصرف بيبرس، حيث يذكر الرحالة المغربي ابن بطوطة "أنه عندما كان يريد السلطان بيبرس أن يرسل أحدهم لإغتيال أحد أعدائه يدفع له ثمن دمه، فإذا إستطاع القاتل أن يفلت أخذ هو النقود، وإن قُتل أو وقع في الأسر كان يعطي المال لأولاده".
وعلى الجانب الآخر قدم سيد ألموت في فارس الولاء للمغول تقية لدمارهم ووحشيتهم، وبذلك قد إنتهت أسطورة الحشاشين التي أرعبت حكام المسلمين والصليبيين على السواء، ولكن قد بقيت بعض أتباع الفرقة الإسماعيلية في إيران واليمن والهند، منهم من يطلق عليهم البهرة (المستعلية) المستقرون في اليمن والهند وهم أتباع الإمام المستعلي، ومنهم من يطلق عليهم الخوجا (النزارية) ويعيشون أيضًا في الهند وإيران، وهم أتباع الإمام نزار.

 أتمنى أن أكون قد قدمت لكم الكتاب في صورة مبسطة حوت زبد معلومات هذا الكتاب القيم الذي يسلط الضوء على طائفة ضالة وثورية في التاريخ الإسلامي.. هدانا الله وإياكم سبيل الرشاد.

ـــــــــــــــــــــــــــ

عبدالحليم حفينة
12/6/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق